28 أبريل 2012

من أحكام الوصية


من أحكام الوصية

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد :

فمن العبادات المهمة التي أرغب أن اذكر نفسي وإخواني بها : الوصية وما يتعلق بها من أحكام ، فقد ذكر الله تعالى بعض الأحكام المتعلقة بالوصية في كتابه ، وكذلك ذكر النبي عليه الصلاة والسلام أحكام الوصية في سنته بل قال في حديث عظيم : مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ يَبِيتُ ثَلَاثَ لَيَالٍ إِلَّا وَوَصِيَّتُهُ عِنْدَهُ مَكْتُوبَةٌ.

قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ : مَا مَرَّتْ عَلَيَّ لَيْلَةٌ مُنْذُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ ذَلِكَ إِلَّا وَعِنْدِي وَصِيَّتِي.

فانظر إلى تأكيد النبي عليه الصلاة وسلم على أمر الوصية وسرعة امتثال الصحابة الكرام لأمر النبي صلى الله عليه وسلم فلله ردهم ، وعلى الله أجرهم ، ورضي الله عنهم ...

وهذا هو واجب المسلم إن سمع شيئا من سنة النبي عليه الصلاة والسلام بادَر وسارَع وسابَق للامتثال وتطبيق هذه السنة قدر الاستطاعة ...

وقد ذكر أهل العلم عليهم رحمة الله أن كتابة الوصية سنة إلا إذا كان في عدم كتابتها تضييعا لحقوق لا تعلم إلا بكتابتها فعند ذلك يجب كتابة هذه الوصية .

والوصية نفع الله بكم لا يشترط فيها الكتابة وإن كانت الكتابة أفضل ، فلو أوصى بأمر وأشهد عليها اثنان ، وقال أشهدكم أني أوصيت بكذا وكذا فهذه تعتبر وصية أوصاها هذا الرجل...

وكذلك إن كانت مكتوبة فليشهد عليها قطعا للخلاف والشقاق .

ويكتب في الوصية ما يريد الإنسان أن يوصي بها ورثته سواء كان الموصى به أمرا ماديا أو معنويا فمن الممكن أن يكتب في وصيته مثلا : أوصي أن يصلي علي فلان كما فعل أبو بكر رضي الله عنه عندما أوصى أن تغسله زوجته أسماء بنت عميس رضي الله عنها ...

والإنسان مادام على قيد الحياة فيجوز له أن يغير في وصيته فقد يكتب الرجل الوصية ثم يبدو له أمر فيريد أن يغير فيها فلا حرج في ذلك.

وثبت عن أنس رضي الله عنه ما يدل على أن الصحابة كانوا يستحبون أن يكتبوا في صدور وصاياهم بعض العبارات الخاصة عن أنس رضي الله عنه قال : كانوا يستحبون أن يكتبوا في صدور وصاياهم هذا ما أوصى به فلان بن فلان أَوصى أنه يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور.

وأَوصَى من ترك بعده من أهله أن يتقوا الله حق تقاته وأن يصلحوا ذات بينهم ويطيعوا الله ورسوله إن كانوا مؤمنين.

وأوصاوهم بما يوصي به إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون .

ثم يذكر بعد ذلك ما شاء ...

ولا بد أن نعلم أن الوصية للورثة أو لبعضهم بالأمور المادية لا تصح لقوله عليه الصلاة والسلام : لا وصية لوارث.

فالورثة لهم حق ثابتٌ شرعا في الميراث فالوصية تكون لغيرهم.

ومن ضوابط الوصية أنه لا يجوز أن يزاد عن ثلث المال في الوصية فقد جاء النبيُّ صلى الله عليه وسلم سعدَ بن أبي وقاص يعوده وهو مريض في مكة وكان ذلك في حجة الوداع فقال سعدٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أُوصِي بِمَالِي كُلِّهِ قَالَ : لَا ، قُلْتُ فَالشَّطْرُ قَالَ : لَا ، قُلْتُ : الثُّلُثُ قَالَ :فَالثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ إِنَّكَ أَنْ تَدَعَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ فِي أَيْدِيهِمْ .

فدل هذا الخبر على أن الوصية لا تتجاوز الثلث قال عبدالله بن عباس رضي الله عنهما : لَوْ غَضَّ النَّاسُ إِلَى الرُّبْعِ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ أَوْ كَبِيرٌ.

ولكن لو أوصى رجل بأكثر من الثلث فتنازل الورثة عن شيء من نصيبهم فلا حرج في ذلك.

ولا يجوز نفع الله بكم وبارك الله فيكم أن يوصي الإنسان بأمر محرم كمن يوصي أبنائه بعد موته بأن يضربوا وجوههم ويبالغوا في البكاء والحزن عليه فإن هذه الوصية لا تنفذ لأنها وصية بأمر محرم ...

وكذلك لا يجوز أن يقصد الإنسان بوصيته أن يضر بورثته لقول الله تعالى : ( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ ).

 ومن صور الضرر في الوصية أن يوصي لبعض الورثة دون بعض كأن يخص الرجال دون النساء فهذا بالإضافة إلى كونه من الوصية للورثة وهي غير جائزة كذلك فيها ضرر...

وأيضا من صور الضرر في الوصية التي ينبغي البعد عنها أن يكون الرجل فقيرا ثم يوصي بثلث ماله ، وهذا فيه ضرر بالورثة ...

وبالنسبة للوصية الحكم فيها للرجال وللنساء فقد قال عليه الصلاة والسلام : إنما النساء شقائق الرجال .

 فكما أن الرجل يوصي فكذلك المرأة يشرع في حقها الوصية...

وينبغي على أقارب الميت أن يحرصوا غاية الحرص على تنفيذ وصية الميت فيسارعوا في ذلك فبعد وفاة الميت يتم تجهيز الميت من ماله ثم يسدد دينه إن كان عليه ثم تنفذ وصيته ثم بعد ذلك تُقسم التركة.

فهذه جملة من أحكام الوصية أسأل الله أن ينفع بها .

والله تعالى أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .