الحمد
لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه ، والصلاة والسلام على سيد الثقلين وعلى آله وصحبه
الكرام الطيبين أما بعد :
فقد
قرأت قبل أيام تغريدة لأحد الكرام ذكر أنه تيسر له خلال عشر سنوات ختم القرآن
الكريم أكثر من مائة مرة ، وهذه تجربة جميلة تؤكد على أهمية التعلق بكلام الله
تعالى والإكثار من تلاوته ، فالأيام تمضي والأعمار تذهب ، ومن أعظم أنواع الطاعات
التي ينبغي علينا أن ننشغل بها تلاوة القرآن الكريم ، فالله تعالى وصف كلامه العظيم
في آيات كثيرة من القرآن فقال : ( الله
نزل أحسن الحديث ) وقال : ( كتاب أنزلناه إليك مبارك )
وقال : ( وهذا ذكر مبارك أنزلناه ) وقال أيضا عن القرآن العظيم : (
لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه
تنزيل من حكيم حميد ) ، فتلاوة القرآن من
أسباب السعادة والطمأنينة ، فكم تتعب النفوس ركضا وراء مشاغل الدنيا فهي تحتاج إلى
راحة من صخب الحياة وضجيجها فعليها أن تقبل على القرآن في أوقات نبتعد فيها عن
الصوارف والمشاغل ثم لننظر إلى أثر هذه التلاوة على النفوس المتعبة ، خاصة لو قرأنا
القرآن بتدبر وتفكر مطبقين قول الله تعالى : ( ورتل
القرآن ترتيلا ) ، بل بعضهم إذا
ابتعد عن تلاوة القرآن ثم أخذ المصحف بيديه وقرأ يتأثر وتدمع عيناه تعظيما وإجلالا
لله تعالى ، فهذا من جميل أثر تلاوة القرآن الكريم على النفس.
وتأملوا رعاكم الله في شدة عناية النبي عليه الصلاة
والسلام بقراءة القرآن ، فكان يقرأ القرآن في الصلاة ويطيل في القراءة ، روى مسلم
في صحيحه عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال : صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم
ذات ليلة ، فافتتح البقرة ، فقلت : يركع عند المئة ، ثم مضى ، فقلت : يصلي بها في
ركعة ، فمضى ، فقلت : يركع بها ، ثم افتتح النساء ، فقرأها ، ثم افتتح آل عمران ، فقرأها ، يقرأ مترسلا ، إذا مر بآية فيها تسبيح سبح ، وإذا مر بسؤال سأل ،
وإذا مر بتعوذ تعوذ ، ثم ركع ، فجعل يقول
: سبحان ربي العظيم ، فكان ركوعه نحوا من قيامه ، ثم قال : سمع الله لمن حمده ، ثم
قام طويلا قريبا مما ركع ، ثم سجد ، فقال : سبحان ربي الأعلى ، فكان سجوده قريبا
من قيامه.
وهذه التلاوة الطويلة في جزء من اليوم فقط ! فكم كان يقرأ
في اليوم والليلة ؟! بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام.
ومن عنايته بتلاوة القرآن الكريم أنه كان يقرأ بآيات
كثيرة عند النوم فروى الترمذي عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما أن النبي صلى
الله عليه وسلم كان لا ينام حتى يقرأ سورة السجد وتبارك ، وروى الترمذي أيضا عن
عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا ينام حتى يقرأ سورة الإسراء
والزمر ، ومن شدة حبه لكلام الله تعالى يطلب من الصحابة الكرام أن يقرؤوا القرآن
ويستمع إلى قراءتهم ويتأثر بسماع القرآن فعند البخاري ومسلم من حديث عبدالله بن
مسعود رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال له : اقرأ علي ، قال: أقرأ
عليك، وعليك أنزل؟ قال: إني أحب أن أسمعه من غيري ، قال: فقرأ عليه من أول سورة
النساء إلى قوله: ( فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا ) فبكى.
فقرأ ابن مسعود رضي الله عنه على النبي عليه الصلاة والسلام
قرابة تسعة أوجه من سورة النساء ، والنبي صلى الله عليه وسلم يستمع لتلاوة هذا
الصحابي الجليل ، فعلينا أن نقتدي بنبينا عليه الصلاة والسلام في الحرص على تلاوة
كلام الله تعالى.
ولو صرفنا همتنا في تلاوة القرآن لتغيرت أحوالنا وأحوال بيوتنا
ومن جميل آثار الصحابة الكرام رضوان الله عليهم قول أبي هريرة رضي الله عنه : إن البيت ليتسع على أهله وتحضره الملائكة وتهجره الشياطين، ويكثر خيره أن
يقرأ فيه القرآن، وإن البيت ليضيق على أهله وتهجره الملائكة، وتحضره الشياطين، ويقل
خيره أن لا يقرأ فيه القرآن.
رواه الدرامي موقوفا عليه ، وصدق رضي الله عنه فتلاوة القرآن من أعظم أسباب البركة
والخير ، وقد نفقد البركة في بيوتنا بسبب التقصير في التلاوة ، فهل ستكون البركة
عظيمة وبعض بيوتنا قد تمضي الأسابيع على جميع أفراد الأسرة ولم يفتح أحدهم المصحف
لقراءة وجه واحد من القرآن ؟! فهل عرفنا سبب قلة البركة وضيق الصدر وعدم الراحة
والسعادة ؟!
ومن تقصيرنا في تلاوة القرآن أننا نجد أوقاتا كثيرة لفعل
كل شيء بل قد نشتكي من فراغ قاتل في بعض الأحيان ولا نفكر في استغلال الوقت في
تلاوة القرآن مع أن الختمة الواحدة من القرآن قد يُكتب لنا بسببها أكثر من ثلاثمائة
ألف حسنة ، والحسنة بعشر أمثالها والله يضاعف لمن يشاء ، والإمام أحمد بن حنبل على
كثرة انشغاله بمسائل العلم والتعليم قال عنه ابنه عبدالله : كان يصلي في كل يوم وليلة مائة وخمسين ركعة، وقد كان قرب من الثمانين، وكان
يقرأ في كل يوما سُبْعا، يختم في كل سبعة أيام.
أليس من الحرمان العظيم أننا نهدر أوقاتا كثيرة في
التردد على مواقع التواصل الاجتماعي بمختلف أنواعها وتمضي علينا الساعات في تصفحها
ونستثقل قراءة وجه واحد من المصحف الشريف ! قال عثمان بن عفان رضي الله عنه كما
روى الإمام أحمد في فضائل الصحابة : " لو
طهرت قلوبكم ما شبعت من كلام الله عز وجل ".
فلنجعل لنا وردا يوميا من القرآن الكريم لا نتركه في حضر
أو سفر ، وحبذا لو قرأنا في كل يوم جزءا من القرآن الكريم أو أكثر من ذلك إن تيسر
لنا ، ومن كانت همته عالية فليجعل له هدفا يسعى إليه بكل قوة ألا وهو حفظ القرآن
الكريم ، فاللهم اجعلنا ممن اعتنى بكتابك وأقبل على تلاوته آناء الليل وأطراف
النهار ، وأعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.