هكذا فعلوا في صلاة الاستسقاء
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى وصحبه أجمعين أما بعد:
فإن من الأمور والمسائل التي تميز المسلم الصادق عن غيره تعلق قلبه بالله سبحانه وتعالى فهو يطلب الخير من الله تعالى ، ويطلب دفع السوء والشر عنه من الله تعالى لأنه على يقين تام بأن الله تعالى بيده مقاليد الأمور قال الله تعالى :( وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ).
وعندما يتأمل في قوله صلى الله عليه وسلم للصحابي الجليل عبدالله بن عباس رضي الله عنهما : (( إذا سألت فسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله )) يمد يديه إلى الله بضراعة وإلحاح فمن الذي أقبل على الله ورده فهو سبحانه كما ذكر ابن القيم رحمه الله : " يغفر ذنبا ، ويفرج هما ، ويكشف كربا ، ويجبر كسيرا ، ويغني فقيرا ، ويعلم جاهلا ، ويهدي ضالا ، ويرشد حيراناً ، ويغيث لهفاناً ، ويفك عانياً ، ويشبع جائعاً ، ويكسو عاريا ، ويشفي مريضا ، ويعافي مبتلى ، ويقبل تائبا ، ويجزي محسنا ، وينصر مظلوما ، ويقصم جبارا ، ويقيل عثرة ، ويستر عورة ، ويؤَمِّن روعة ، ويرفع أقواما ، ويضع آخرين... "
وقد وقفت على قصيدة عامية للشاعر محسن بن عثمان الهزاني من شعراء بلدة ( الحريق ) من المملكة العربية السعودية حرسها الله , يرجح الرواة أن وفاته كانت في عام 1245هـ تقريبا ... ذكر هذه القصيدة لما أصابهم القحط فخرج بالناس إلى المصلى فوعظهم وصلوا صلاة الاستسقاء فذكر هذه الأبيات التي فيها استغاثة بالله سبحانه وتعالى ، وتعلق به وطلب المدد منه فهو سبحانه الكريم المنان الوهاب الرزاق ...
وسأذكر مقتطفات من هذه القصيدة ...
دع لذيذ الكرى وانتبه ثم صل == واستقم بالدجى وابتهل ثم قلْ
يا مجيب الدعا يا عظيم الجلال == يا لطيفٌ بنا دائمٌ لم يزلْ
واحدٌ ماجدٌ قابضٌ باسطٌ == حاكمٌ عادلٌ كل ماشاء فعلْ
ظاهرٌ باطنٌ خافضٌ رافعٌ == سامعٌ عالمٌ ما بحكمه مِيلْ
أولٌ آخرٌ ليس له منتهى == جل من لا له شريك ولا له مِثلْ
بعد لطفك بنا ربنا افعل بنا == كل ما أنت له يا إلهي أهلْ
الغنى والرضا والهدى والتقى == والعفو العفو ثم حسن العملْ
وأسألك غاديا ماديا كلما == لج فيها الرعد حل فينا الوجلْ
وادقٍ صادقٍ غادقٍ ضاحكٍ == باكيا كلما هلَّ مِزنه هطلْ
يا مجيب الدعا يا متم الرجا== استجب دعوتي إنني مبتهلْ
امسح سيئتي واعف عن زلتي== إنني يا إلهي محل الزللْ
الذي مد فيك إلهي فلا == خاب من مد فيك إلهي أملْ
اهدني يا إلهي فإني أقول == دع لذيذ الكرى وانتبه ثم صلْ
ثم ختم الصلاة على المصطفى == عد ما أنحى سحاب صدوق وهلْ
فانظر إلى استغاثة محسن الهزاني وقارن حاله بحال بعض الناس هداهم الله ...
قال الشيخ العلامة محمد تقي الدين الهلالي المغربي رحمه الله في كتابه الجميل الماتع:
الدعوة إلى الله في أقطار مختلفة ص:97
" وفي تلك السنة قلّ المطر وعمّ الجدب , وعادة المغاربة في مثل هذه الحال أن يفزعوا إلى أضرحة الأولياء ويذبحوا لهم الذبائح ويستغيثوا بهم ليأتيهم المطر ويزول عنهم الجدب, فأمر القائد الملالي منادياً ينادي قائلاً بأعلى صوته : لا إله إلا الله محمد رسول الله لا تسمعون إلا خيرا إن شاء الله , إن الأمير يأمركم أن تتبرعوا بالدراهم لشراء الثيران والكباش وتتهيّؤا في اليوم الفلاني للاستسقاء عند أضرحة الأولياء, فلما جاء اليوم المعين خرج الأمير والقاضي وجميع أهل البلد حفاة حاسري الرؤوس , وطافوا على أضرحة الأولياء قائلين بصوت واحد: جئناكم قاصدين لا تردونا خائبين يا أولياء الله الصالحين , وتوجهوا أولاً إلى قطب البلد علي أبي غالب , والثور الأسود أمامهم وهو أكبر الثيران وأسمنها فوصلوا إلى ضريحه خاشعين وذبحوا ذلك الثور وذابحه يقول: الذبيحة على الله وعليك يا سيدي علي أبا غالب ثم طافوا على أضرحة الأولياء الكبار فذبحوا على ضريح كل واحد منهم ثوراً.
وأما الأولياء الصغار فذبحوا على ضريح كل واحد منهم كبشاً ورجعوا , فنشأ غمام في السماء فسألت الله تعالى أن لا يسقيهم ولا قطرة واحدة فاستجاب الله دعائي وانقشع ذلك الغمام وجاء بعده غمام مراراً ثم انقشع ولم يسقوا قطرة واحدة..
جاء بعض أصحابنا إليّ وقالوا لي: إن الأمير والقاضي ومن معهم قد ارتكبوا أمراً شنيعاً مخزياً فنريد أن نغسل هذا العار بصلاة الاستسقاء في مصلي العيد خارج المدينة ونريد أن تكون إمامنا في صلاة الاستسقاء...
فاتفق الجماعة على يوم معين فجاءوني بسيارة وتوجهنا إلى مصلى العيد ورأيت الزرع بدأ ييبس , فرقيت المنبر وخطبتُ خطبةً غلبني فيها البكاء وصليت بهم ركعتين وفي اليوم التالي أذن الله للسماء أن تمطر فأمطرت مطراً غزيراً غدقاً أحيا الله به الأرض بعد موتها واستبشر الناس ..." ا.هـ.
فاللهم أنزل علينا غيثا مغيثا سحا غدقا يا رب العالمين ، ويا أكرم الأكرمين
اللهم آمين
أخوكم
عبدالله الكمالي
كان الله له
29/12/2011